The Official Website of Kareem Essayyad
Navigation  
  Home
  Kareem Essayyad
  Register
  Poetry
  SHORT STORIES
  => رُوتيلا دُورا
  => الموت.. قيصريًا
  NOVELS
  ESSAYS
  Critical Studies
  Philosophical Researches
  الترجمات
  Guestbook قاعة الضيافة
  Map / Satellite image
الموت.. قيصريًا

الموت..  قيصريًا

 

لا يلمني أحد على كراهيتي لليهود، صحيح أنه ليس كل اليهود صهاينة، وليس كل اليهود قاموا بمذبحة دير ياسين، وليس كل اليهود قتلوا أمي فيها، لكنني لست فيلسوفًا لأفرق بين اليهودية والصهيونية، أنا مجرد شاب بسيط متوسط التعليم يبحث عن زوجة كل مؤهلاتها أنها ليست يهودية.

 

ولا يلمني أحد أيضًا على كراهيتي للعرب، ليس كل العرب متزوجين من يهوديات، وليس كل العرب شاهدوا أهليهم وهم يُذبحون في دير ياسين، وليس كل العرب أبي، لكنني لست مجرد شاب متوسط التعليم يبحث عن زوجة كل مؤهلاتها أنها غير يهودية، بل وغير عربية أيضًا.

 

ولا يلمني أحد بعد ذلك لأنني لا أحب أخي، وأنني أكنّ له هذه المشاعر المعقدة من الحب والبغض والألفة والغربة برغم صغر سنه، نصف العربي من جهة الأب، نصف اليهودي من جهة الأم، وإن كنت أومن بيهوديته إيمانًا مطلقًا، أوليس يُنسب اليهود إلى أمهاتهن؟

 

والنتيجة أنني شبه منفصل عن أخي نصف اليهودي وأبي الذي خان أمي، برغم أننا نسكن بيتًا واحدًا، لأنني لم أنس كيف فتح الصهاينة القتلة بطن أمي الحبلى بسونكي البندقية، وكيف أن خالتي قامت بتوليدها قيصريًا بهذه الطريقة قبل أن تموت وقبل أن أموت معها، والغريب أنني تشبعت بهذه القصة حتى أكاد أذكرها صوتًا وصورةً.

 

لم تكن علاقة خالتي على ما يرام بأبي، وهي التي غذّت عداوتي المستحَقة له طول هذه السنين، وبرغم أنني لم أعتقد قط في سلامة عقلها إلا أنني فهمت كيف لم تنس لأبي أنه تزوج بعد أختها يهوديةً بعد أن هاجر من فلسطين إلى ألمانيا الغربية، ثم استقر في مصر، وهكذا ساءت أحوالي الدراسية مع سوء أحوالي الأسرية والنفسية، واضطررتُ للانقطاع عن التعليم، والعمل بذلك المذبح.

 

كنت أنظف الأرض، لم تقم خالتي بتوليد أمي قيصريًا إلا لأنظف الأرض في نهاية المطاف، إنها لم تنقذني بل قتلتني قيصريًا قبل أن أولد.

 

كثيرًا ما رأيت الشيخ يقوم بعمله، اسمه إسماعيل، لكننا اعتدنا أن ننادي كل ملتحٍ بالشيخ، خاصةً إذا كان متدينًا مثله، ولحيته أظهر ما فيه، مستديرة كبيرة تلف وجهه المكتنز، كما أنه يمسح عليها كلما أوشكَ أن يشق ذبيحةً من الذبائح الضخمة المعلقة طوليًا بالمنشار الكهربي المستدير، كأنما سيغوص في لحمها إلى ذقنه، تابعت هذه العملية كثيرًا في رهبة، لا أدري لماذا سحرتني، فيها طابع بدائي وحشي لا رحمة فيه، كأنها من زمن آخر قبل أن تنمو للبشر مشاعر، خاصةً مع بسمة الشيخ الهلالية التي تشع منها أسنانه الناصعة وسط حلكة لحيته، تلك البسمة التي تظهر كلما أوشك على شق الذبيحة، وتدريجيًا ودون أن أدري صار هذا المشهد من كثرة مصادفته كامنًا في عقلي الباطن، أحيانًا أذكر بعض تفاصيله في النوم أو اليقظة، كبسمة الشيخ، أو مشهد المنشار وهو يزأر ليشق الجسم المسلوخ، لكنني كثيرًا لا أذكر أين رأيت هذا.

 

أظن أن تلك الخطبة في المسجد هي التي بدأت شيئًا ما، كنت جالسًا أتابع الإمام ظاهريًا، فلم أكن متحمسًا لسماعه، ولا أذهب لصلاة الجمعة أصلاً إلا نادرًا، لكن صوته طرق ذهني كالجرس وهو يقول:

"وفي رواية مسلم: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الشجر والحجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله.. إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود".

 

ظل الحديث يتردد في عقلي كالصدى طيلة الطريق، وحين دخلت البيت الصامت الكئيب ظل معي، وحين وقفت أمام سرير أخي الصغير النائم ظل معي، تذكرتُ أن أمه صممت أن تبعث لأبي بخشب السرير من الخارج، وأن أبي الذي يملك ورشةً للنجارة قام بصنعه بنفسه، لكنه لم يفهم قط لماذا طلبتْ منه هذا، تأملت وجه أخي الساكن، وخطر لي أنه يخدعني، سيفتح عينيه بمجرد أن أستدير، ظل ساكنًا، وظل الحديث النبوي يتردد.

 

ذهبت في ذلك اليوم إلى غرفتي لأنام استعدادًا لعملي الذي يبدأ ليلاً، غرقت في نوم عميق أسود كالكون، ثم بدأ كل شيء يضيء ويتشكّل، رأيت الشيخ إسماعيل، يمسح على لحيته ويبتسم وهو يدير المنشار، لكن ملامحه لم تكن كما عرفتها، كان انفعالاً خبيثًا يتسرب من تحت قسماته، وحين أقبل على إحدى الذبائح بالذات وجدها تنتفخ، تنتفخ وتتحرك كأن بداخلها شيئًا أو أحدًا مختبئًا يحاول الخروج، فسارع الشيخ بغرس المنشار فيها قبل أن يخرج له، تناثر اللحم والدم، وانفتح بطن الذبيحة على أثر المنشار فسقط منها جسد ضئيل لفتي عارٍ ميتٍ إذ مزق المنشار صدره وبطنه، الغريب أنه كان حبيسًا في الذبيحة مقلوبًا ورأسه لأسفل، حتى أنني تساءلت للحظة في الحلم كيف دخلها، تمدد على الأرض مغطى بزلال شفاف لزج كطفل وليد، وحين دقّقت فيه.. وجدته أخي.

 

لم أفزع في الحلم ولم أفرح، فقط أحسست بخوف، أحسست إحساسًا قويًا أن ما أراه شرير حقيقي لا ينتمي لحلمي الخاص، كأنما هو واقع مدسوس.

 

في المساء ذهبت إلى العمل، حركني دافعٌ ما لمشاهدة عمل الشيخ، كان يمسح على لحيته ويرفع المنشار الزائر، لكنه حين غرسه في بطن الذبيحة ارتد متعوذًا مبسملاً، لقد انفجر تيار من الدم من موضع الشق، وهو ما لم يعتد رؤيته في ذبيحة تم استنزافها ذبحًا بالفعل.

 

أحال الذبيحة للتنظيف وهو على غير ما يرام، لكنه فسّر لي الموقف بأن وعاءً دمويًا لم يكن قد فرغ من الدم بعد لسبب ما، مر الوقت لكن المشهد زلزل أعماقي، أصابني تهدج كالبكاء، بكاء لا يبدأ ولا ينتهي، شيء ما جعلني أومن أنها ليست مصادفة أن أحلم بجزء مما حدث بالفعل، أكملت ساعات عملي في شرود طويل، لم أكلم أحدًا، ولم أتناول العشاء مع زملائي.

 

وقبل الفجر عدت إلى البيت، كانت عربة الإسعاف تثير ضجة كبيرة، وأبي يولول ويلطم خديه وأنبأتني ملابس عمله أنه عائد للتو مثلي، لا بد أن شيئًا حدث لأخي، فهمت من الجيران ورجال الإسعاف أنه أصيب بجرحٍ بليغ أدى إلى استنزافه ووفاته، ولما لم أستطع أن أفهم أكثر تركت الموكب الدامي وصعدت إلى شقتنا، ودخلت حجرة أخي، فلم أجد أثرًا لجرحٍ.

 

لكني حين دخلت حجرة أبي كانت بقعة عملاقة من الدم تلوث الأرضية جوار السرير وقد تخثر بعضها، ولوثتْ منشار الخشب الكهربي الدائري الذي كان موضوعًا على الأرض منذ عدة أيام جوار السرير، هل سقط عليه أخي من علٍ؟ ولكن كيف؟

 

هنا توقفت عيني عند السرير، لا أكاد أصدق فرحت ألمسه بيديّ هاتين، ألمس الفراش الذي انخفض بسبب سقوط ألواحه.. القضية مغلقة أيها السادة!

 

لقد صعد الطفل ابن العاشرة على السرير لتطول يده ما فوق الدولاب المجاور، لا بد أنه كان يريد لعبة من لعبه فوقه، وحين سقطت ألواح السرير تعثر وسقط بين السرير والدولاب، بالضبط فوق المنشار المشرع أسنانه.

 

وكما في الحلم، لم أشعر بفرح أو بفزع، فقط شعرت بخوف، شعرت أن كل هذا شرير غير حقيقي ومدسوس، كأنه حلم.

 

وفكرتُ قليلاً..

 

من العسير في رأيي المتواضع أن يُصنع كل أثاث المنزل من خشب الغرقد، أو أن يصنع منشار خشبٍ منه، لقد انتهت عبقرية اليهود عند هذا الحد، لا يمكنك أن تكون حذرًا أو عبقريًا أكثر من اللازم.

 

مهما حاولتَ.

***

 
   
 
  Kareem Essayyad

Create your badge
 
منهج تربوي مقترح لفاوست-النيل الثقافية  
   
Today, there have been 1 visitors (2 hits) on this page!
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free