The Official Website of Kareem Essayyad
Navigation  
  Home
  Kareem Essayyad
  Register
  Poetry
  SHORT STORIES
  NOVELS
  ESSAYS
  => الفردوس اللا مفقود
  => المجوس الجدد للأمة القديمة
  Critical Studies
  Philosophical Researches
  الترجمات
  Guestbook قاعة الضيافة
  Map / Satellite image
المجوس الجدد للأمة القديمة

المجوس الجدد للأمة القديمة

 

 

في ظل حالة من الفقر العقلي والإفلاس الخُلقي واليبوسة الفكرية والرطوبة الروحية، انتشرتْ في الوسط الأدبي الشابّ مجموعة من المفاهيم لا تدل على معنى بقدر ما تدل على طبيعة العقل الذي يتداولها، من حيث بنية هذا العقل، ومن حيث مدى قيامه بوظيفته من نقد واختبار تلك المفاهيم وأيّ مفاهيم قبل استعمالها بمناسبة وبغير مناسبة.

 

فإن الأديب الشاب الذي تربى على ثقافة انهزامية استهلاكية بطريركية، خير قيمة فيها هي التواضع والتقية والاعتذار والاعتراف والتزلّف والتسلّف والتقوْلُب والاندماج والدوران حول المراكز وحساب الأمور حساباتٍ كمّية ترد السمة إلى العدد، والاختلاف إلى المقدار، هذا الأديب لم يجد أمامه في ظروف شديدة الوطأة إلا أن يتبع آثار السلف في الأدب كما اتبعها في كل شيء لا لشيء إلا لأنهم الأسبق وإلا لأنهم ساروا من قبله وتركوا آثارهم.

 

هذا الأديب الذي صار لا يكتب سوى عن ثلاثة أنواع من الموضوعات: الحب، الحرب، الذات الممزقة بين هذا وذاك، فصارت قضايا الأدب قضايا أحوال شخصية أو هتافات بديلة عن مضمونها الحقيقي والفعلي، أو تسجيل لحال النفس المفككة المهزومة علها تتسوّل شيئًا بهذا التفكك والانهزام.

 

هذا الأديب الذي يرسم على سحنته هيئة الرومانسية البلهاء كلما جاء وذهب، أو رعشَ صوته بلهجة المتوعِّد بالحرب والغضب كلما ألقى شعرًا أو تحدث في جمع، أو ارتعد جسده ليثير شفقة المجتمعين الأكثر بلاهة منه على حاله الممزقة في عالم النسبية وميكانيكا الكوانتم وسقوط الحكايات الكبرى وانهيار النظم الشمولية!

 

ليس الاقتصار جريمتَه فحسب، فما هو بجدير بالحب وهو لا يجد ما يأكل، والمادية ومعوية الفكر خيرٌ من الادّعاء والتزييف والتوهُّم .

 

وما هو بجدير بالحرب وهو فرد ضعيف لم يجرؤ أن يقف في وجه أبيه أو معلمه أو أستاذه في الجامعة أو رجل الدين رغم أن كل هؤلاء هم أشد من أهانوه ومسحوا بكرامته الملاط والنعال.

 

وما هو بجدير بالتعبير عن تمزق الذات في النسبية وخلخلة الأسس وهو أشد الناس تعصّبًا وتربصًا بالمبدعين والزنادقة والمندهشين والمتساءلين والناقدين والرافضين والمتفرّدين، فلم يعرف النسبية ولم يعانِ منها ولم يعش حكاية كبيرة ليحزن لسقوطها ولم يؤمن أو يكفر بالشمولية ليبالي بها.

 

 

وهذا الأديب الذي استقرّت لديه شئون الإبداع-رغم ما في هذه العبارة من تناقض صارخ-استقرّ في رأسه العقل وركد في عروقه الدم وتعفّن في صدره القلب وضمرت فيه الروح، وصار لا يسأل عن شيء يجده على قارعة طريقه، ولا يبحث عن شيء لا يجده في يده وفي فمه، وصار البعض للبعض منهم كلماتهم في أفواه بعض كحلمات أثداء أمهاتهم، المتكلم يُرضِع الصامت، والمفوّه الخطيب الكاذب يُرضع المستمع الأحمق الساذج، والمسيخ الدجال يُرضع المؤمن المطمئن بالإيمان!

 

ونتيجة لكل هذا وما ترتب على طبيعة ذلك الأديب من جهة، وطبيعة الوسط الثقافي المحيط من جهة أخرى انتشرت مفاهيم شديدة الدلالة على حال الأديب العقلية:

 

1.    مفهوم المتلقّي العاديّ: والذي يقوم على التمييز الكمي بين طبقتين من المتلقي: طبقة متعلمة تفهم النص، وطبقة جاهلة لا تفهمه، رغم أن التلقي يختلف باختلاف الطبيعة النفسية والحالة المزاجية والتوجه العقائدي للمتلقي، ووضعه الطبقي وخبراته السابقة وجنسه ولونه وشتى العوامل التي تؤثّر في (كيفية) التلقي لا في كميته، بل هذا أثر من آثار الثقافة الاستهلاكية التي تنص على أن الزبون على حق، وان السلعة يجب أن تكون في يد الجميع، وعليها أن تكون مناسبة لذلك المستوى.

2.    مفهوم الذهنية: والذي يقوم على التمييز بين الشعور والفكر: فالنص الأدبي-خاصة الشعري-يعالج الأول لا الثاني، رغم أنه لا يوجد فارق حاسم حتى اللحظة بين الطرفين على المستوى المعرفي(الإبستمولوجي) أوعلى المستوى النفسي أو على المستوى الفيزيولوجي، وهو تمييز قديم تراثي وحديث غربي ليس له أصل سوى الأصل التاريخي والجغرافي ولا يتطوّع أحد مستخدميه المعاصرين بالبرهنة عليه وتبرير استخدامه له.

3.    مفهوم الشعر: والذي يقوم على التمييز بين الشعر والنثر على أساس الوزن الخليلي، رغم أن مفهوم الشعر يتغير مع كل شاعر قليلًا أو كثيرًا، وأنه لا أمل في اتفاق الشعراء عليه أو النقاد-وهم المنوطون بالاصطلاح على مفهوم ثابت-لأن الأساس لديهم المفترض أن يكون الاختلاف والمفارقة.

4.    مفهوم(الجمال-الخير): والذي يقوم على عدم التمييز بين قيمتي الجمال والخير، فيقدم نقدًا أو تقييمًا أخلاقيًا للعمل الأدبي يحذّر من الإباحية والعري وقلة الأدب لأن هناك بنات في الجلسة ولأن جميع الحضور لديهم أخوات صغيرات  وحريم لا يتصورون أن يطّلعن على مثل هذه الأعمال، رغم أنه لا توجد مقاييس أو تحديدات دقيقة معلنة لما يمكن أن يقال وما لا يمكن، وبهذا يتحول النقد الأدبي إلى رقابة.

5.    مفهوم(الجمال-الحق): والذي يقوم على عدم التمييز بين قيمتي الجمال والحق: فيقدم نقدًا عقائديًا دينيًا للعمل الأدبي يحذّر ويستفسر في هدوء وكياسة ونبرة رصينة خاشعة تقية عن الخروجات والانحرافات والاعوجاجات والانكسارات والانحناءات والتلولبات والتحلزنات التي شابت عقيدة الأديب وأقرّت عقيدة باطلة، رغم أن أمور العقيدة لا تنجلي بوضوح إلا لإله أو من أوتيَ من لدنه اطلاعًا على خبايا النفوس، فمن لم يجد اعتمد على مبضع لشق الصدور، وهذا نتاج ثقافة بوليسية تقعد للمبدع كل مرصد باعتباره خارجًا عن الطابور الخامس المتآمر على الإنسان باسم الله، وعلى الشعب باسم الوطن، وعلى الإبداع باسم العقيدة.

 

هذه المفاهيم الخمسة انتشرت بين أبناء الجيل كالبلهارسيا وتوطنتْ في أكبادهم وأمعائهم ومثاناتهم، أطلقها مَنْ أطلقها فجاءت على هواهم وجاءوا على هواها، قالها واحد لا يرى لعمله فائدة ما لم ينتشر ويحقق تصفيقًا وبيعًا، وجاءوا هم ليجدوها جاهزة للامتطاء السريع والانطلاق دون تعب ذهن أو إرهاق روح  أوحيرة نفس، فهي مقولات سهلة مناسبة لعقل الناس وجهالة الجاهلين، مباشرة لا تحتاج شرحًا، مطابقة لطبيعة العقل البوليسي الذي لا يختلف عن البوليس الحقيقي سوى أنه رتبة أدنى، وصالحة لضرب الخصوم الأعمق والأكثر تفردًا والأكثر تجديدًا وتجريبًا والأشد جرأة.

 

استبعد المفهوم الأول كل أديب أقل جماهيرية من الآخَر، والثاني كل أديب عميق منشغل بقضايا عامة مجرّدة إنسانية، والثالث شعراء قصيدة النثر الذين قدموا شكلًا جديدًا إلى جوار القديم، والرابع والخامس كل أديب تجاوز حدًا نسبيًا بطبعه لا مجال له في الإطلاق.

 

وبذا تحوّلت قضايا النقد والإبداع الأدبي إلى قضايا الانتشار والتوافق مع عقل الجمهور كمًا وكيفًا بالهبوط إلى مستواه ومحاكاة قياس حذائه، وصار جيل الأدباء الشبان المعاصرين عارًا على الأدب وعدوًا للنقد الحقيقي الذي يفرض على الناقد ضرورة مراجعة ومساءلة واختبار كل ما يجد من مفاهيم ذائعة قبل غير الذائعة، وتحول النقد في نهاية الأمر إلى شائعة.

 

هذا ما أدى في النهاية إلى انشطار الأدباء إلى شطرين: الأول هم السادة وهم المبدعون الحقيقيون الذين لا يخشون السؤال والمعارضة والنقد الجذري، والثاني هم العبيد الذين ساروا بلا نقد وبلا سؤال وراء كل قدم ومؤخرة، ويتميز السادة عن العبيد  في الصفات التالية:

 

1.                     السؤال: فالسيد يتساءل عن المستقرّ والمتداوَل، في حين ينشغل العبد بالإجابة.

2.                     النقد: فالسيد لا يقبل شيئًا على أنه حق ما لم يقم بنقده وتقليبه على أوجهه الشتى، والعبد يقوم بالتسليم.

3.                     الابتكار: فالسيد ينهمّ بالابتكار من أجل إثبات بصمته الخاصّة وإثبات وجوده ذاته، في حين يقوم العبد بالتقليد.

4.         الرفض: فالسيد أقرب إلى الرفض لأنه أكثر شعورًا بخصوصيته وتفرّده ولأنه الأكثر جرأة وميلًا للتحدي، والعبد أقرب إلى القبول والرضا بالوضع القائم.

5.         القسوة والعنف: فالسيد يؤمن بالهدم في سبيل البناء، ويرفض الترميم والحلول النصفية الالتئامية، أما العبد فهو أميل للرقة والخنوثة والدعة والرخاوة.

6.         الكبرياء: السيد أخيرًا مترفّع عن الصدقة وعن الرياء كليهما، عن التصفيق والبيع والمديح والمجاملة، والعبد متسوّل من جمهوره ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.

 

وبالمفاهيم السابقة يحاول العبد إسقاط السيد، وضمه إلى طبقته لأنه الأقوى والأسمى، وعلى السيد أن يرفض إغواءات العبيد، وأن يقاوم ضمورهم بخصوبته الروحية ، وأن يحتقر دناءتهم بكبريائه المهلِك، وأن يمزق غلالة الرقة والحب والغرام والرومانسية بالعنف والقسوة والدم والبؤس.

 

إن كل بدعة أصالة، وكل أصالة عبقرية.

 

إن الكتابة عمل إرهابي يهدف إلى التهديم من أجل التمهيد، والإنكار بديلًا عن الشك، والقتل بديلًا عن الثورة، والصخرة بديلًا عن الزهرة، والنار بديلًا عن المرأة، والجسد بديلًا عن الطبيعة، والروح بديلًا عن السماء.

 

نحن مجوس هذه الأمة.

 

لقد حل الأدب محل الدين، والفلسفة محل الإيمان، والعِلم محل النبوة، والمسوّدات محل القضاء والقدر، والكلام محل الحياة، والصمت محل الموت، والكتابة محل البعث، والقراءة محل الخلود.

 

 

كريم الصياد

3-5-2008

 

 
   
 
  Kareem Essayyad

Create your badge
 
منهج تربوي مقترح لفاوست-النيل الثقافية  
   
Today, there have been 1 visitors (2 hits) on this page!
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free